خلعت عني جميع ملابس الدنيا وأخذت حماما وأخذت أنظر إلى ذنب ينزل مع كل قطرة ماء تنزل مني.. يا الله كل هذه الذنوب والمعاصي ..يالها من مصيبة إن لم يغفرها لي ربي ..ارتديت ملابس الإحرام فقد آن الأوان لزيارة بيت الله الحرام.. وبين ثنايا هذه البهجة وأنا أنظر الى السماء وقت الغروب والسيارة تنقلني من ابيار علي الى الحرم المكي تساءلت هل سأكون سعيداً عندما البس يتم تغسيلي وأكفن؟! | |
وبدأت في التلبية وتعثر لساني وخفق قلبي خوفا أن ترد علي الملائكة ..لا لبيك ولا سعديك عمرتك مرددوة عليك، فأخذت أتساءل: هل أكلت حرام قط؟! استغفرك اللهم وأتوب إليك، غفرانك ربي غفرانك.. |
وصلت للحرم قال لي أحد المعتمرين أن لي دعوة مستجابة عند أول رؤية للكعبة ..فأخذت انظر في الأرض، لا أريد أن أرى الكعبة، إلا وأنا أمامها مباشرة وفكرت بم أدعو الله عز وجل وهديت إلا أن أترك هذه الدعوة للحظة النظر إلى الكعبة ..ووصلت إلى آخر سلم وأمامي الكعبة ومازلت أنظر في الأرض ومع كل درجة سلم إحساس مختلف فخوف ثم شوق تتداخل المشاعر والأحاسيس بشكل لم أعهد به حتى خيل لي أن قلبي يهرب مني.. |
وأخيرا وصلت إلى الكعبة ..بيت الله في أرضه.. وقفت أمامه مذهولا وقف اللسان عن النطق والجسد عن الحركة ..وأخذ إحساس بالعظمة يسري بقلبي ..بيت الله الحرام ..أنت الآن تقف أمامه تنظر إليه وستطوف به ..ودعوت الله عز وجل، وكأني أول مرة في حياتي أدعوه، فالقلب ملازم للسان بل ربما يسبقه، والعين تتوه في جنبات البيت، والجسد ينتفض مرة ويقشعر أخرى والرجل ثابتة لا تستطيع الحراك.. |
|
وذهبت كي استلم الحجر الأسعد وأبدأ الطواف ..لم أستطع أن استلم الحجر فهو يمين الله في الأرض واستلامي له عهد مع الله.. فهل أنا مستعد لهذا العهد.. ترددت كثيرا.. وقفت اسأل نفسي وأرجو أن تجيب بسرعة.. هل تستطيعين أن توافي عهدك مع الله؟! ونفسي لا تنطق، فالموقف أكبر من أن تكذب علي أو ترائيني. تقهقرت إلى إحدى جنبات المسجد وأخذت أذكر نفسي بكرم الله ورحمته وأن الله يريد منا خطوة إليه وهو يسعى إلينا يأخذ بأيدينا ويساعدنا. لكن لابد يا نفس أن تكوني مستعدة.. |
وبعد إلحاح وتأنيب وترغيب وترهيب بدأت أول استلام للحجر ومع رفع يدي اليمنى شعرت وقتها أن جسدي كله يرتفع ويتجه إلى الحجر الأسود والقلب يريد أن يعانقه ويتعلق به. وأنزلت يدي وهي تذكر نفسي بالعهد مع الله والبداية الجديدة.. | |
أخذت أطوف بالبيت سبعا كالطفل يهرول مرة ويمشي أخرى يبكي وينتحب.. ينادي ويصمت.. يرجو من الله رحمة يطلب منه نظرة رضا يسأله عفوا منه عما مضى، والعين مازالت ثابتة على البيت لا تريد أن ترى غيره. |
وفجأة سمعت الأذن كلمة أوقفت جميع الحركة، وكأن السكون قد حل وهذه الكلمات أخذت تتردد بقوة حتى لم تستطع الأذن أن تسمعها غيرها "يا من له الأمر كله...عبدك احتار فدله"، فأسرع اللسان في ترديدها.. لقد وجدها بعد طول عناء.. وجد ما أراد أن ينادي به ربه ويدعوه.. |
|
وبعد انتهاء الطواف ذهبت للصلاة خلف مقام سيدنا إبراهيم.. وقفت أمام المقام ورأيت باب الكعبة أمامي والسماء فوقي وكأن الكون يحتويني ..رغم وجود آلاف المسلمين إلا أنني شعرت أن اليوم لي وسجدت وكأنها أول سجدة في حياتي، بل هي بالفعل أول سجدة في عهدي الجديد. شعرت أن الدنيا كلها تختزل أمام هذه الدقائق المعدودة. لم أعرف كم من الوقت استغرقته وقمت من السجود وأزحت عني هموما كانت تؤرقني ودعوات لهث اللسان بها دوما.. |
وصعدت جبل الصفا بين أمواج الناس المتلاطمة، وظننت أن ليس لي مكانا.. فحزنت. وبين أكتاف الرجال رأيت مكانا وكأنه محجوز لي.. ففرحت. ومن هنا بدأت الشوط الأول إلى المروة، وكانت هناك علامة خضراء عندها يأخذ الرجال في العدو والنساء تظل تمشي كما هي..لكن لماذا؟! قيل أن السيدة هاجر فعلت هكذا عندما كانت تبحث عن الماء لوليدها سيدنا إسماعيل عليه السلام ..لكن لماذا نفعل نحن ذلك؟! |
إنه الامتثال لأمر الله عز وجل.. فالله قال افعل فلابد أن أفعل ولا أسأل ما الحكمة في هذا؛ لأن عقلي المحدود قد لا يدرك حكما كثيرة ..إذن فالطواف والسعي والهرولة والجري كلها مثالا واضحا على الرضوخ والامتثال لأمر الله إذا لماذا امتثل هنا فقط؟! لماذا لا أخضع أهوائي وأحلامي وتفكيري وخطواتي كلها لله عز وجل؟! وجاءني صوت: "عرفت فالزم".. |
ولأول مرة في حياتي أحدث ربي وأكلمه وأفتح له قلب عما فيه من أحلام أريد أن أحققها وهموم أريده أن يزيلها، وذنوب أطلب منه أن يغفرها وشعرت أن الله ينظر إلي ويسمعني، بل ويبشرني بالمغفرة والرحمة وقتها قلت كلمات لم أنطق بها من قبل ولم أتذكرها بعد ذلك ..هل هي علامة القبول؟! هل هذا هو فضل الله؟! ففضل الله يؤتيه من يشاء من عباده.. ________________________________________ هذا المقال كتبته لموقع عشرينات |
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق